responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 437
لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [فَاطِرٍ: 8] الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُحْزِنُوكَ بِخَوْفِ أَنْ يَضُرُّوكَ وَيُعِينُوا عَلَيْكَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَضُرُّونَ بِمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْكُفْرِ غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ أَلْبَتَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ: لَنْ يَضُرُّوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ شَيْئًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَتَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْقَاضِي:
الْمُرَادُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِخْبَارَ بِذَلِكَ وَالْحُكْمَ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَمَ بِهِ مُحَالٌ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَدَمِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ قَالَ: يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ فَبَيَّنَ أَنَّ إِرَادَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذَا الْعَدَمِ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَةِ: 185] قُلْنَا: هَذَا عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ تَعُمُّ، إِذْ لَوْ لَمْ يَحْصُلِ الْعُمُومُ لَمْ يَحْصُلْ تَهْدِيدُ الْكُفَّارِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَهَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَمَا لَا حَظَّ لَهُمُ الْبَتَّةَ مِنْ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ فَلَهُمُ الحظ العظيم من مضار الآخرة.

[سورة آل عمران (3) : آية 177]
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (177)
اعْلَمْ أَنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ الْأُولَى عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، وَحَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ لَا يَبْعُدُ أَيْضًا حَمْلُ الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى الْمُرْتَدِّينَ، وَحَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْيَهُودِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاءِ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ مِنْهُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَيَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ أَعْطَوُا الْإِيمَانَ وَأَخَذُوا الْكُفْرَ بَدَلًا عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُشْتَرِي مِنْ إِعْطَاءِ شَيْءٍ وَأَخْذِ غَيْرِهِ بَدَلًا عَنْهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَتَى كَانُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ، فَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ كَفَرُوا وَتَرَكُوا الْإِيمَانَ، فَكَانَ ذَلِكَ كَأَنَّهُمُ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً [آل عمران:
176] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَالْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّكْرَارِ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ أَوَّلًا، ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الِاضْطِرَابِ وَضَعْفِ الرَّأْيِ وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِنْسَانِ لَا خَوْفَ مِنْهُ وَلَا هَيْبَةَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ الْبَتَّةَ عَلَى إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ أَمْرَ الدِّينِ أَهَمُّ/ الْأُمُورِ وَأَعْظَمُهَا، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا لَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ فِيهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 437
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست